الثلاثاء، 21 مايو 2013

Photo : ‎حزب الكــادحين في تـــونس‎


لمخيّمات السوريّة أو السّوق المفتوحة لتجارة الرّقيق
 
 
تزداد أوضاع المرأة في سوريّة خاصّة منها الاقتصادية والاجتماعية تأزّما، فقد كانت نتائج الحرب الرجعيّة كارثيّة على جمهور النساء ، إذ فقدت المرأة في أحيان كثيرة جرّاءها حياتها أو خسرت الأبناء والزوج و الأم والأب وكذلك السكن والعمل و أهدرت كرامتها .
وكانت المرأة عرضة للتهجير والتشريد جرّاء سيطرة بعض المليشيات على العديد من الأحياء أو البلدات والقرى وإنشاء إمارات إسلاميّة طائفية وتطبيق قوانينها الرجعية ومن ضمنها إجازة اغتصاب النساء والفتيات السوريات تحت مسميات دينية مختلفة . ففي تقرير أصدرتـه "لجنة الإنقاذ الدوليّة" خلصت فيه إلى أنّ السّمة الأبرز في الحرب الأهليّة السوريّة والأكثر إثارة للقلق هي الاغتصاب الذي ترى فيه النساء والفتيات سببا أساسيّا للفرار من سوريا.
لقد اضطرّت المرأة السوريّة إلى الفرار من المدن والقرى والبلدات التي تقطنها والتي تدور بها رحى الحرب الرجعيّة الطاحنة والتحقت بمخيّمات اللجوء سواءً على الحدود السوريّة التركيّة أو الحدود السوريّة الأردنيّة بحثا عن ظروف معيشيّة تقيها شبح التشرّد والخصاصة وتوفّر لها الملاذ الآمن الذي افتقدته.
لقد فرّت من جحيم العبوديّة والاغتصاب والقتل بعد أن اعتبرت "غنيمة حرب" تتقاتل العديد من الميليشيات الإرهابية وبعض تجار الرّقيق من أجل الظفر بها خاصّة بعد أن أصدر بعض "الشيوخ" الذين هم في حقيقة أمرهم خدما طيّعين للإمبريالية والصهيونيّة والرجعيّة العربية الفتاوي التي تصادر حقوق المرأة وتسلبها إنسانيتها والتي تعيدها إلى عصور غابرة، أي إلى عصور العبوديّة والتي أباحت من خلالها للمرتزقة سبي المرأة السوريّة واعتبارها من قبيل "ما ملكت أيمانهم" بمعنى أنّ المرأة تصبح ضمن هذه الحرب الرجعيّة هدفا جنسيا في حدّ ذاته. فالنساء اللاتي يجري القبض عليهن في القرى والأرياف والأحياء التي تتم السيطرة عليها يعتبرن غنائم حرب يقع تقسيمهنّ على هؤلاء المجرمين وتصبح بذلك المرأة أو الفتاة التي تقع بين أيديهم مجرّد جارية أو خادمة تتمثل مهامّها في القيام بشؤون سيّدها وتلبيّة رغباته المتعدّدة والمتنوّعة، كما يحقّ له أيضا التصرّف فيها كيف ما شاء ولو بالبيع باعتبارها ملكا من أملاكه الشخصيّة.
لقد فرّت المرأة السوريّة من هذا الجحيم الذي يتحكم فيه المرتزقة المسلحون لتصطدم بجحيم أكثر مرارة في مخيّمات اللجوء التي يتحكم فيها تجار الرقيق الأبيض فتلك المخيمات هي أشبه بسوق مفتوحة لعرض النساء والفتيات الصغيرات للبيع. إذ تهافت الخليجيّون على هذه المخيّمات "للتّبضّع" وشراء بعض الفتيات حسب المواصفات التي يطلبونها تحت غطاء الزّواج المحدّد بمدّة (يوم، أسبوع أو شهر) وهو عبارة عن بغاء مقنّع.
لقد مثّلت هذه المخيّمات مرتعا للعصابات المتاجرة بالنساء والتي استغلّت الظّروف المعيشيّة الصّعبة فيها وبؤس وفقر العديد من العائلات السوريّة لاستدراج الفتيات القاصرات وتشغيلهنّ بالقوّة في الدّعارة وأصبحت هذه الأماكن قبلة العديد من الباحثين عن اللذّة.
إنّ هذا الوضع البائس الذي تعيشه المرأة السوريّة بما فيه الاستغلال الجنسي الذي تتعرّض له يوميّا أكّده التحقيق الذي أجرته الصحيفة البريطانيّة "ديلي تلغراف" التي ذكرت أنّ مخيّم الزعتري خاصّة أصبح يمثّل سوقا لبيع اللاجئات السّوريات ممّن لم تتجاوز أعمارهنّ 14 سنة لإجبارهنّ إمّا على "الزّواج" لمدّة لا تتجاوز الأسابيع أو الأيّام أو لممارسة الدّعارة مستندة في ذلك إلى إفادات عمّال الإغاثة أو بعض جمعيّات مساعدة اللاّجئين والذين أجمعوا على حقيقة واحدة مضمونها تدفّق أعداد هامّة من الخليجيين على مخيّمات اللّجوء وربط الصّلة مع بعض الوكلاء (تجّار الرّقيق) بحثا عن لاجئات سوريّات لأغراض جنسيّة وغالبا ما يحصل ذلك تحت غطاء أو قنـــاع "الزّواج" إذ يتمّ تحديد المهر وهو عبارة عن الثمن الذي يدفع من طرف العريس المزعوم مقابل خدمات جنسيّة لمدّة أيّام معدودات وغالبا بضعة ساعات.
كما يعمد البعض منهم إلى استئجار منازل لذوي "العروسة" بعيدا عن مخيّم اللّجوء ويتعهّدون بمصاريفهم قبل أن يجري الطّلاق بعد أسبوع واحد في أغلب الحالات وتعود "الزّوجة" أو الضّحيّة وعائلتها من جديد إلى المخيّم لتتلقفها أياد أخرى وتعبث بها كيف ما تشاء .
لقد تعرّضت العديد من النسوة والفتيات إلى التحيّل من قبل "أزواجهنّ" الذين يعدنهنّ باستمرار الزواج مع اصطحابهنّ لتوثيق الزواج في أقطارهم، غير أنّهم وبمجرّد إشباع رغباتهم، يختفون عن الأنظار ويعمدون إلى تغيير أرقام هواتفهم ويتركون ضحاياهم يواجهن مصيرهن داخل هذه المخيّمات خاصّة الحوامل منهنّ ممّا أجبر شيوخ الإفتاء حسب الطلب إلى إجازة الإجهاض لطمس معالم هذه الجرائم البشعة.
لقد أكّد العديد من حرّاس المخيّمات حسب هذه الصحيفة على أنّهم يتلقّون بشكل مستمرّ طلبات من رجال عرب خاصّة السّعوديين والأردنيين للدّخول لهذه المخيّمات للبحث عن عروس شابّة. كما نقلت الصحيفة عن نساء لاجئات بمخيّم الزّعتري أنّ رجالا متزوّجين يتوافدون على المخيّم بحثا عن فتيات ويتمّ ذلك غالبا تحت ستار القيام بأعمال خيريّة حيث تمارس الدعارة ويتمّ ذلك بواسطة بعض النسوة اللاتي ترتبن لقاءات تجمع رجالا وفتيات من مخيّمات اللّجوء المختلفة .
وفي نفس الإطار حذّرت الممثّلة الخاصّة للأمين العام للأمم المتّحدة المعنيّة بالعنف الجنسي أثناء الصّراعات زينب بانغورا من الانتشار الواسع لتجارة الجنس في سوريا مؤكّدة أنّ أغنياء الخليج يستغلّون ظروف الفقر والعوز التي تمرّ بها الأسر السوريّة للزواج بالقاصرات وهذه الزيجات هي في حقيقة الأمر عمليّة بيع باعتبار أنّ هذا "الزّواج" محدّد بمدّة إذ لا يدوم سوى بعض الأيّام أو الأسابيع كما ذكرنا. وطبقا لتقديرات الأمم المتّحدة ومنظّمات الإغاثة الدوليّة فإنّ أكثرمن500 امرأة وفتاة سوريّة لم تبلغن سنّ الرّشد جرى بيعهنّ بمثل هذه الطّريقة خلال شهر جانفي 2013 فقط.
لقد فرّت المرأة السوريّة من سعير الحرب الدائرة والتحقت بمخيّمات اللّجوء بحثا عن "ملاذ آمن" افتقدته، غير أنها اصطدمت بواقع أكثر مرارة عند حلولها بهذه المخيّمات من خلال ما تتعرّض له يوميّا من استعباد واضطهاد واستغلال جنسيّ منظم يفرض عليها بقوّة السّلاح. فهذه المخيمات، وإلى جانب تواجد عصابات الاتّجار بالرّقيق بها، تعدّ مرتعا للمقاتلين المرتزقة الذين يمارسون بكل وحشيّة اغتصاب النساء والفتيات ممّا دفع بسيّدة سوريّة في مخيّم سليمان شاه إلى إحراق نفسها مع بناتها الأربعة بعد أن تمّ اغتصابهنّ من طرف المسلّحين بحجّة جهاد النّكاح وتناوب عليهنّ قرابة 20 من المرتزقة من جنسيات مختلفة.
إنّ المرأة السوريّة ، وفي ظلّ الظّروف البائسة التي تعيشها سواء في المخيّمات أو في سائر أنحاء سوريا لمدعوّة اليوم لتنظيم صفوفها والانخراط في النضال جنبا إلى جنب مع الرّجل من أجل تحرير سوريّة من الاستعمار ومرتزقته وإفشال الحرب الرجعيّة التي تستهدف تدمير سوريا وتقسيمها إلى إمارات طائفية تسهل السيطرة عليها. كما عليها أيضا المساهمة في الكفاح من أجل بناء سوريا الديمقراطيّة الشعبيّة، فلتتحد سواعد الثوريين من نساء ورجال لإنجاز هذا الهدف المنشود فلا حرية للمرأة العربية السورية بدون تحرير سوريا من الامبريالية والصهيونية والرجعية .

***********************************************************


صدر بجريدة طريق الثورة عدد ماى 2013

الأحد، 12 مايو 2013




 افتتاحية  عدد ماى 2013 من جريدة طريق الثورة .

تجري هذه الأيام عمليات تمشيط متواصلة في جهات مختلفة في تونس من الجنوب إلى الشمال مرورا بالوسط تقوم به وحدات من الجيش و الحرس و الشرطة و ذلك بعد ورود أخبار عن وجود مجموعات مسلحة في الجبال وقد شملت تلك العمليات  مناطق في القصرين وقابس وجندوبة وقفصة وسيدى بوزيد ومنوبة و الكاف و سليانة ومدنين .
 و في جبل الشعانبي من ولاية القصرين اصطدم التمشيط   بألغام   انفجر بعضها مما أدى الى وقوع جرحى ، و رغم  استعمال وسائل متطورة لكشف الألغام فقد عجزت القوات التابعة لوزارتي الدفاع والداخلية عن رصدها ، مما جعلها تقصف المغارات والكهوف الموجودة في الجبل بالمدافع  و هو ما أسفر عن اشتعال النيران في الغابات أما العناصر المسلحة المستهدفة فلم يقتل أو يجرح أو يعتقل منها أحد باستثناء إلقاء القبض على عناصر ثانوية يشتبه في مسؤوليتها عن الدعم اللوجستيكى  ووضع اليد على أغطية وكتب و خرائط عسكرية .
وبخلاف ما يجرى في جبل الشعانبي فإن عمليات التمشيط في جهات أخرى تحصل بصمت و لا شئ يشير إلى أنه تم رصد  المجموعات المسلحة والاشتباك معها  .
و تدفع بعض الجماعات السياسية اليمينية الدينية  باتجاه التمويه على ما يجرى في تلك المناطق و التغطية على ضلوع الإرهاب الديني فيه  بالادعاء أن الأمر يتعلق بمسرحية نسجت خيوطها الاستخبارات الجزائرية وقوى سياسية تونسية معادية لها   بغرض الإساءة و تشويه السمعة ،  وقد روجت مزاعم مشابهة في مناسبات سابقة أيضا  اتضح بعدها أن  الفاعل الحقيقي هو الإرهاب الديني ، فقد قتل عقيد وجندي بالجيش التونسي ومسلحان  خلال اشتباكات في بلدة الروحية  كما  قتل  مسلحان في مواجهات  في  بئر علي بن خليفة   وأعتقل أشخاص  في فريانة بحوزتهم أسلحة وخرائط بالإضافة إلى اغتيال شكرى بلعيد ، و في مختلف هذه الأحداث تبين ضلوع تلك العصابات  المورطة أيضا في حرق أضرحة الأولياء و مهاجمة الفنانين في العبدلية و رفع الأعلام السوداء في الجامعات والساحات و البنايات الحكومية ومهاجمة باعة الخمور .
وقد سبق هذه الأحداث ورود أخبار من مصادر أمنية و استخباراتية وإعلامية أجنبية ومحلية تفيد بوجود قواعد للتدريب العسكري على الحدود التونسية الليبية و التونسية الجزائرية و أن بعض من كان فيها انتقل إلى سوريا و مالي و العراق و أفغانستان  ليعود بعد ذلك و يشكل مجموعات مسلحة متنقلة خاصة على طول الحدود مع الجزائر وأن جبل الشعانبي قد يكون القاعدة الرئيسية التي يتجمع فيها هؤلاء نظرا لتشعب تضاريسه .
  و يرجح أن  تلك الجماعات تتجه الآن غربا بعد التدخل العسكري الفرنسي   في مالي و تضييق   الخناق عليها في سوريا حيث يتم  توجيهها   كمدخل محتمل لفتح الجبهة الجزائرية لاستكمال حلقات إعادة رسم خارطة الوطن العربي بما يتفق ومصالح الامبرياليين الأمريكيين و الأوربيين فالامبريالية كانت و لا تزال  الممسك الحقيقي بورقة الإرهاب الديني و هي تستغلها الآن لإحكام سيطرتها على بلدان كثيرة عبر العالم   مثلما هو الحال  في أفغانستان والعراق ومالي و توظفها في اتجاه تطويق روسيا و الصين .
وتبدو السلطة التي يقودها اليمين الديني في تونس مورطة فيما يحدث فقد غضت الطرف عن تنامي نشاط  تلك المجموعات  بما ساعدها على الانتشار وجلب السلاح و إقامة المخابئ وتجنيد الأتباع ، وقد أرادت النهضة بشكل خاص  من وراء ذلك إيجاد حليف يمكن استعماله في الوقت المناسب في صراعها مع أعدائها و لكن تلك الجماعات أفلت قسم كبير منها من براثن النهضة و أصبح أقرب إلى القاعدة وصولا إلى استهداف حركة النهضة  نفسها وتكفير بعض رموزها و في ذات الوقت الارتباط برموز أخرى ضمن الحركة نفسها  ، و قد جاء الهجوم على السفارة الأمريكية في تونس ليفجر التناقضات الكامنة بين الطرفين .
و فضلا عن هذا يتورط اليمين الليبرالي في استغلال الأحداث محاولا إيجاد موطئ قدم ضمن المؤسستين الأمنية و العسكرية واستعمال ذلك في صراعه مع اليمين الديني   بالعزف على وتر الأمن الجمهوري  المحايد و تشتعل الآن نار المعركة بين هاتين القوتين حول من يستولى على أجهزة الدولة ويوظفها لصالحه فاليمين الديني  أضحى يمتلك أجهزته العسكرية صلب مؤسسات الدولة وخارجها  أما  اليمين الليبرالي  فيحاول خلق أجهزة مماثلة   باستمالة جانب من المؤسسة الأمنية العسكرية ، وبعد أن كان السبسي يهدد بحل نقابات الأمن و يصف المتمردين عليه منها بالقردة  أصبح الآن مدافعا عنها كما يحاول تشكيل ميليشيات خاصة تقوم بحراسة مقراته وتوفير الحماية لشخصياته تمهيدا لاستعمالها في أغراض أخرى ، و يهدد ذلك كله بإشعال نار حرب حقيقية بين الطرفين يذهب ضحيتها الكادحون قبل غيرهم و هو ما صرح به دون مواربة راشد الغنوشى الذي اتهم السبسي بالتحضير لحرب أهلية ، و بعد صوت المدافع وانفجار الألغام في الشعانبي   قد لا يطول الوقت قبل حدوث مواجهات   في المدن لن تتأخر الآلة العسكرية الأمريكية والأوربية في الدخول المباشر على خطها بتحريك قوات الافريكوم  مثلا التي زار قائدها قبل مدة تونس . كما لن تدخر الدوائر السياسية الأمريكية و الأوربية جهدا في الوقت المناسب لتقوم بترتيب الأوراق من جديد في تونس و توزيع السلطة على الإخوة الأعداء في النهضة و النداء   بالعدل والقسطاس بما يكفل التوازن صلب النظام التونسي ويوفر الاستقرار المنشود لمصالحها .
و رغم أن اللوحة في مجملها تبدول قاتمة فإن بقع ضوء توجد داخلها فالكفاح الشعبي متواصل و التصميم على تحقيق مطالب الانتفاضة ما زال عاليا و يظل تنظيم صفوف قوى الثورة المشكلة الرئيسية في ظل  مواصلة الطوائف و الملل السياسية تأثيرها الضار على مجمل الحركة الثورية   بترويجها للأوهام الإصلاحية و تعطيلها للسيرورة الكفاحية وتشتيت جهود الشعب  و الحيلولة دون وحدة كفاحه على قاعدة الثورة ، و يهدد هذا الوضع في حال استمراره بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء و تحويل تونس إلى فريسة   تنهشها الكلاب والضباع .


دروس أول ماي

  صـدر هذا النص بجريدة الراية الحمراء عدد ماي 1993 ويعاد إصداره من جديد بعد تحيينه بمناسبة عيد العمال العالمي. 
  "لقد كان القرار بشأن أوّل أيّار أفضل قرار بين القرارات التي اتّخذها مؤتمرنا إذ بيّن قوّتنا في العالم بأسره وأنعش الأمميّة بصورة أفضل من جميع المحاولات الشّكليّة لإعادة التّنظيم" (أنجلس).
 تحتفل البرولتاريا والأمم والشّعوب المناضلة في الأوّل من ماي  من كلّ سنة بالعيد العالمي للعمّال، فما هي الظّروف الذّاتيّة والموضوعيّة لميلاد هذه المحطّة المضيئة من التّاريخ النضالي للطّبقة العاملة العالميّة وما هي الدّروس المستخلصة من هذه الذّكرى ؟ 
  لقد ولدت هذه الذّكرى في خضمّ كفاح مرير خاضته بكلّ ضراوة الطّبقة العاملة المستيقظة في تلك الفترة ضدّ مضطهديها من أجل تحقيق مطالبها المشروعة وفي سبيل تحرّرها، إذ تميّز القرن التاسع عشر بترسّخ أسلوب الإنتاج الرّأسمالي وبروز تناقضاته التّناحريّة ونمو طبقة ثوريّة  صاعدة هي البروليتاريا على مسرح الحياة الاجتماعيّة. وهكذا بدأت النّضالات العماليّة تتنامى شيئا فشيئا خاصّة منذ ثلاثينات وأربعينات ذلك القرن، وسجّلت العديد من الانتفاضات العماليّة بفرنسا (عمّال النّسيج بليون) وأنقلترا (حركة الشّارتيين) وألمانيا. وكانت هذه التحرّكات في بداياتها عفويّة لارتباطها بالوعي الجنيني للعمّال. ومن هذه التحرّكات انبثقت أفكار التّضامن العمّالي العالمي   لتأثّرها بالأفكار الطّوباويّة التي كانت تطرح فكرة التّضامن العمّالي خارج الطّبقات والتي تجسّدت في الشّعار اللاّطبقي "كلّ البشر أخوة". إلاّ أنّ الحسّ الطّبقي لدى العمّال والطّموح إلى النّضال كان يدفعهم إلى فهم هذا الشّعار على أنّه إخاء بين الجماهير الكادحة دون غيرها والتي يجب عليها أن تتّحد ضدّ الاضطهاد الطبقي الذي تتعرض له يوميّا.
  إنّ اندماج الاشتراكيّة العلميّة مجسّدة في شخص ماركس وأنجلس بالحركة العماليّة دفع هذه الأخيرة إلى التجذّر، وبذلك طرحت مسألة التّضامن العمّالي العالمي من وجهة نظر طبقيّة. لقد كانت تأثيرات الطّوباويّين مجسّدة في عصبة العادلين التي كانت تمثّل سنة 1839 منظّمة أمميّة تسيطر عليها الاشتراكيّة الطوباويّة والتي أصبحت فيما بعد تسمّى بعصبة الشيوعيّين سنة 1847 إثر اشتراك ماركس وأنجلس في هذه المنظّمة وتمّ استبدال شعارها اللاّطبقي "كلّ البشر أخوة" بالشّعار الطّبقي "يا عمّال العالم أتّحدوا". لقد مثّل هذا الشّعار أحد المبادئ الأساسيّة للحركة العمّاليّة العالميّة التي طرحت مبدأ الأمميّة البرولتاريّة. كما أنّ اندماج الاشتراكيّة العلميّة بالحركة العماليّة نتج عنه ميلاد الأمميّة الأولى في 28/09/1864 بلندن، فزاد تأسيسها تضامن البروليتاريا العالمي قوّة بتنظيم مسالك التواصل والمساعدة بينها  وتمّ تمكينها  من سلاح جديد زاد في تصليب عودها وتطوير تجربتها وخبراتها النضاليّة. وقد ازدادت بذلك أيضا وتيرة النّضالات العمّاليّة خاصّة وأنّ ترسّخ علاقات الإنتاج الرّأسماليّة ارتفع معه عدد العمّال، كما تطـوّرت معه المواجهات بين رأس المال والعمل أي بين العمّال والبرجوازيّة، هذه البرجوازيّة التي صعدّت من وتيرة قمعها للتّحرّكات العماليّة. ففي سنة 1867 تعرّض عمّال المناجم البلجيكيّة المضربين في منطقة شارلوروا إلى القمع، فما كان من عمّال بريطانيا وفرنسا سوى التّضامن مع رفاقهم المضربين وتجميع المساعدات وإرسالها اليهم، كما تمّ في ربيع 1868 إنجاح إضراب 3000 عامل بناء في جنيف والنمسا وبريطانيا وفرنسا والولايات المتّحدة الأمريكيّة وبلجيكا.
  لقد مثّلت أواخر ستّينات وسبعينات القرن التّاسع عشر بداية النّهوض الحقيقي للحركة الإضرابيّة العمّاليّة والتي كانت تجري شهريّا في جميع البلدان الرّأسماليّة، وكانت تلاقي دعما من جميع عمّال العالم . كما لعبت كومونة باريس دورا هامّا في تطوير أشكال التّضامن الأممي بين العمّال وتركيز تقاليد جديدة في هذا الميدان، إذ جرت العديد من المظاهرات في العديد من البلدان تأييدا للكومونة، كما تمكّنت حملة التّضامن معها في تأمين العمل والسّكن لضحايا الثّورة المضادّة وتمّ إجبار السّلطة في سويسرا على منح المهاجرين حقّ اللّجوء السياسي.
 وبداية من النصف الثّاني من سبعينات القرن التّاسع عشر، شهدت الحركة العماليّة العالميّة تطوّرا ملحوظا إذ ارتبطت بأحزاب بروليتاريّة مؤسّسة على الاشتراكيّة العلميّة ويعني ذلك أنّ الماركسيّة بدأت تحرز الانتصار على التيّارات الطّوباويّة وبدأت معها الحركة العمّاليّة تتحرّر شيئا فشيئا من تأثير الطّوباويّة والفوضويّة وعرفت الماركسيّة أيضا انتشارا سريعا داخل الطبقة العاملة نفسها.
  لقد زاد تأسيس الأحزاب الشيوعيّة في تمتين الرّوابط الأمميّة وطوّر تقاليد جديدة للتّضامن الطّبقي، كما لعبت الصّحافة الحزبيّة العمّاليّة دورا فعّالا في تنظيم حملات التّضامن وتبادل التّجارب والخبرات النّضاليّة وقد تجسّد هذا التّضامن العمّالي في المساندة التي حظي بها إضراب عمّال مناجم الفحم في جنوب فرنسا في مطلع سنة 1886 والذي تمكّن بفضل هذا الدّعم من الاستمرار لمدّة 5 أشهر. إنّ هذا التّضامن العمّالي جعل العمّال في كلّ مكان يطرحون مطالب ملموسة ومتشابهة، كما تعلّم العمّال من خلال ذلك أنّ مطالبهم واحدة رغم البعد الجغرافي وأنّ عدوّهم واحد وهو سلطة رأس المال.
  لقد ولد عيد العمّال إذن في خضمّ النّضال وهو نتيجة حتميّة لتطوّر الصّراع بين العمل ورأس المال وأيضا نتيجة لتنظّم الحركة العماليّة العالميّة في إطار أحزاب أمميّة وهي حتميّة ارتباط الإشتراكيّة العلميّة بالحركة العماليّة خاصّة بعد أن دعت الأمميّة الأولى في مؤتمرها المنعقد في جنيف سنة 1866 العمّال إلى النّضال من أجل يوم عمل ذي 08 ساعات تحت شعار "08 ساعات عمل ، 08 ساعات راحة ، 08 ساعات نوم."
  لقد كانت الولايات المتّحدة الأمريكيّة في أواسط ثمانينات القرن التّاسع عشر تتميّز بفوارق اجتماعيّة عميقة بين حفنة من البورجوازيين وأغلبيّة من الكادحين.
 ورغم ضعف الحركة العماليّة، نشأ عام 1881 اتّحاد عمّالي أطلق عليه إسم "اتّحاد النقابات الصناعيّة والتجارية للولايات المتحدة الأمريكية وكندا" وقد أعيدت تسميته سنة 1886 ليصبح "اتّحاد العمل الأمريكي" والذي اتّخذ قرارا تاريخيّا في أكتوبر 1885 بتطبيق يوم عمل ذي 8 ساعات بداية من 01 ماي 1886 ويعني ذلك الدّخول الفعلي في المواجهة مع البرجوازيّة لأنّ تطبيق يوم عمل ذي 08 ساعات فقط يعني الإضراب عن العمل في صورة عدم الاتفاق من خلال المفاوضات الجاريّة في تلك الفترة .
  لقد كان انطلاق الشرارة الأولى من مدينة شيكاغو الأمريكيّة بمشاركة حوالي 350 ألف عامل في الإضراب الذي رافقته مسيرات حاشدة طافت شوارع المدينة رافعة شعار "08 ساعات عمل، 08 ساعات راحة، 08 ساعات نوم" ممّا أغضب السّلطات البرجوازيّة الحاكمة وأثار حفيظتها فدفعت بأجهزة قمعها التي تصدت بقوّة الحديد والنّار للمتظاهرين وارتكبت في حقّهم أبشع الجرائم ممّا أدّي إلى مقتل أكثر من 200 عامل تضرجت أرصفة شوارع شيكاغو بدمائهم، كما اعتقلت الشرطة عددا من القادة النقابيين حكم على 08 منهم بالإعدام ومن بينهم أوقيست سبايس الذي أطلق قبل إعدامه كلماته المشهورة:"سيأتي اليوم الذي يصبح فيه صمتنا في القبور أعلى من أصواتنا"، بينما سجن البقية ما بين 03 و 15 سنة.
   لقد ردّت الطبقة العاملة في تلك الفترة على القمع والإرهاب والتقتيل الذي تعرّضت له من قبل البرجوازيّة بالدّعوة إلى الثأر بالدّم وإعلان الكفاح المسلّح ضدّ مضطهديها. ومع تزايد أعداد القتلى والجرحى والمحاكمات الصوريّة لقادة الطبقة العاملة امتدّت جسور التضامن البروليتاري الأممي مع الحركة العماليّة الأمريكيّة فوقف العمّال ضدّ هذه المحاكمات وندّدوا بهذه الجرائم البشعة. فتوّج هذا المدّ التضامني الذي ارتعدت له فرائص البرجوازيّة بإقرار الأمميّة الثانيّة وفي مؤتمرها المنعقد بباريس في جويلية 1889 غرّة ماي عيدا عالميّا للعمال على أن تكون بداية الاحتفال بهذه المناسبة في غرّة ماي 1890.
  لقد جسّد هذا القرار الأممي قوّة التّلاحم والتضامن بين البروليتاريا العالميّة وكان بمثابة إعلان الحرب المفتوحة ضدّ البورجوازيّة أي ضدّ العدوّ الطّبقي. كما دعّم أيضا النضال الثوري للبروليتاريا التي كانت في تلك الفترة تتحسّس طريقها نحو التحرّر وقد توجته ثورة أكتوبر الاشتراكيّة. وبذلك لم يكن بإمكان عيد التضامن (غرّة ماي) العالمي للعمّال أن ينبثق منذ بداية الحركة العمّاليّة بل كان لا بدّ للبروليتاريا العالميّة أن تكتسب الخبرة من خلال معاركها الطبقيّة، إذ سبق إعلان هذا العيد العديد من المواجهات والصّدامات بين رأس المال والعمل أي بين العمال والبورجوازيّة، والتاريخ النضالي للبروليتاريا العالمية حافل بالعديد من المحطّات النضاليّة المضيئة. كما كان إقرار العيد العالمي للعمّال نتيجة لتطوّر الحركة العماّلية وتجذّر وعيها الطبقي.
  تلك هي الظروف الذّاتيّة والموضوعيّة التي نشأ ضمنها هذا العيد واحتفالنا به يدخل في إطار تقييم الواقع الحالي للطبقة العاملة العالميّة وإعدادها لمعارك قادمة من أجل تأمين انتصارها وتحرّرها لأنّه ورغم هذه التّضحيات ورغم هذا الصّراع المستمرّ بين البروليتاريا ومضطهديها ورغم ما اكتسبته من تجارب وخبرات نضاليّة ورغم إرادتها الصّلبة، لا تزال الطبقة العاملة وبصفة متفاوتة مكبّلة بالأغلال والقيود إذ لا زالت تتعرّض يوميّا لأبشع طرق وأساليب الاستغلال والاضطهاد من طرف سلطة رأس المال ممّا يطرح عليها أهميّة بناء أدوات نضالها وفي مقدّمتها أحزابها الشيوعيّة لتنظيم مواجهتها لأعدائها لأنّه الحلّ الوحيد لتحرّرها.
 إنّ الطبقة العاملة ومتى ارتبطت بأحزابها الثورية المسلّحة بالاشتراكية العلمية، قادرة على إنجاز مهامّها الثوريّة رغم موجة الإحباط والتشكيك التي تزرعها الإمبرياليّة في فترة تميّزت بتفسّخ الأنظمة التحريفيّة وسيطرة الإمبرياليّة الأمريكيّة على العالم في إطار النظام العالمي الجديد. لقد كانت البروليتاريا العالميّة ضحيّة لهذه الهيمنة الأمريكية التي فرضتها على العالم و شاركتها هذا المصير الشعوب والأمم المضطهدة التي تعاني من ويلات الاستعمار. إلاّ أنّه ورغم هذه الهيمنة، لا تزال البروليتاريا العالميّة تقاوم  في العديد من بقاع العالم ممّا يجعل من حتميّة انتصارها حقيقة لا ريب فيها.
  إنّ الطبقة العاملة العربيّة كجزء من الطبقة العاملة العالميّة تعرّضت أيضا لأبشع أشكال القهر والظلم والاضطهاد والاستغلال نتيجة لتعدّد المناورات والمؤامرات التي تحاك ضدّها من طرف الإمبرياليّة العالميّة والصهيونيّة باتّفاق مع الرجعيّة العربيّة لمزيد إخضاعها وإذلالها وتركيعها لغرض إرغامها على القبول بسياسة الأمر الواقع المنتهجة من قبل العملاء، إذ حاولت هذه الأنظمة ومازالت تحاول تمرير المخطّطات الاستسلاميّة بقوّة الحديد والنّار كعربون وفاء لحلفائها الإمبرياليين الذين يسعون للاستحواذ على الثروات الطبيعية للوطن العربي خاصّة النفطيّة وتوفير الأمن المطلوب للكيان الصهيوني.
لقد سعت الإمبرياليّة من خلال انتهاج هذا الأسلوب الإجرامي في حقّ الطبقة العاملة العربيّة إلى مزيد بسط نفوذها على الأرض العربيّة وقد مثّل احتلال العراق وليبيا وتقسيم السودان وتفتيت سوريا الوجه البشع لهذه الهيمنة وما الغارات الجويّة التي يشنها الطيران الحربي الصهيوني على سوريّة هذه الأيّام في ظل صمت الأنظمة العربيّة المريب لخير دليل على تكريس هذه الهيمنة، إلى جانب ما يتعرّض له الفلسطينيون يوميّا من تقتيل وتشريد على أيدي الصهاينة إضافة إلى ما أصبحت تمثلـه اليوم الإمارات الخليجيّة من قواعد عسكرية قارّة للإمبرياليّة العالميّة خاصّة الأمريكيّة.
كما تتعرّض أيضا الطبقة العاملة العربيّة يوميّا لسرقة قوتها اليومي من خلال الزيادات المهولة في الأسعار التي تفرضها الدوائر الماليّة الإمبرياليّة مثل صندوق النقد الدولي والبنك العالمي التي تحدد السياسات الاقتصادية العامة لهذه الأنظمة فتتدهور نتيجة لذلك مقدرتها الشرائيّة ويعمّ الفقر والبؤس صفوفها وتنتهك أبسط حقوقها ممّا يدعوها إلى ضرورة تنظيم صفوفها والدفاع عن أرضها وكرامتها الوطنيّة.
  إنّ الطبقة العاملة في تونس هي أيضا ضحيّة من ضحايا النهب الإمبريالي وهي أيضا عرضة لكلّ أشكال الاستغلال والاضطهاد إذ تدنّت مقدرتها الشرائيّة نتيجة  ارتفاع   الأسعار وانخفاض سعر  صرف الدينار التونسي وتواصل سياسة الخوصصة ممّا أثّر سلبا على المقدرة الشرائيّة للكادحين الذين أصبحت المجاعة وأمراض سوء التغذية تتهدّدهم، كما أنّ الخوصصة ساهمت من جانبها أيضا في تسريح جانب هام من اليد العاملة ممّا زاد في تغذية سوق البطالة. كما أن الوضع الاقتصادي المتأزّم نتج عنه إغلاق العديد من الشركات وتسريح الآلاف من العمّال نتيجة لسيادة قانون الغاب داخل هذه المعامل والشركات خاصة المستقرّة بفضاءات الأنشطة الاقتصادية أو ما يعرف بالمناطق الحرّة والتي يعتبر من يشتغل بها عاملا وقتيّا لا يتمّ ترسيمه مطلقا وهو المشكل الذي يسعى على سبيل الذكر عمّال جال قروب بمنزل بورقيبة للتّصدّي له هذه الأيام. إنّ العديد من أصحاب رؤوس الأموال لا يعترفون إلى حدّ الآن بالعمل النقابي ولا بحقوق العمّال ولا تهمّهم سوى المحافظة على مصالحهم الشخصيّة ومراكمة الأرباح على حساب بؤس وفقر الجماهير الكادحة.
  لقد أنتج هذا الوضع الاقتصادي المتردّي للجماهير العمّاليّة تفاقم الجريمة خاصّة المنظّمة منها وانتشار الفساد داخل المجتمع . أمّا على الصّعيد السياسي فقد تميّز الوضع بسيطرة اليمين الديني والليبرالي على السلطة التي واصلت ارتماءها في أحضان الإمبريالية العالميّة والصهيونيّة بإسناد من الأنظمة العربيّة العميلة ممّا جعل القطر منطلقا لبعض المؤامرات التي تحاك ضدّ الجماهير العربيّة خاصّة في سوريا.
  لقد خاضت الطبقة العاملة العربيّة العديد من النضالات للدّفاع عن حقوقها المشروعة فكانت انتفاضات جانفي 1978 و 1984 و2008 وديسمبر 2010 بتونس والإضراب العام بلبنان والمغرب 1992 وكانت التحركات العمالية في الجزائر ومصر والأردن، غير أنّ هذه التحرّكات لم تكن سوى منازلات صغيرة مع العدوّ ما دامت قلاعه جاثمة أمامنا والذي استغلّ ضعف القوى الثوريّة في مصر وتونس لتركيز اليمين الديني والليبرالي على رأس السلطة السياسيّة.
  إنّ التحرّكات المطلبيّة غير قادرة لوحدها على تحرير الطبقة العاملة  والتي يطرح على جدول أعمالها مزيد التمسّك بحقوقها وبناء أدواتها التنظيمية ورصّ صفوفها ومدّ جسور تواصلها وتعاونها مع الطبقة العاملة العالميّة والتسلح بالاشتراكية العلمية  والبرنامج السياسي الثوري .
صدر بجريدة طريق الثورة عدد ماى 2013